المبحث السادس: الحيض:
أولاً: تعريفه شرعًا:
دم طبيعة وجبلَّة يخرج من الأنثى في أوقات معلومة.
ثانيًا: حدُّ الحيض (بالنسبة للسنين والأيام):
لا حدَّ لأقلِّ الحيض شرعًا بالنسبة للسنوات، فمتى رأت المرأة الدم فهو حيض، سواء كان عمرها ثماني أو تسع سنوات، أو أقل أو أكثر، وكذلك نهايته لا تُحَدُّ بسنٍّ محدَّدة، فمتى رأتْ دم الحيض فهو حيض، سواء كان عمرها أربعين أو خمسين سنة أو أكثر أو أقل.
وكذلك لا حدَّ لأقلِّ مُدَّة الحيض وأكثره بالنسبة للأيام، فلو رأت المرأة دم الحيض يومًا وليلة، أو أقل أو أكثر، فهو حيض.
فكلُّ ما رأَتْه المرأة من دم طبيعي ليس له سبب من جرح ونحوه، فهو دم حيض من غير تقدير بزمن أو سن، تأخذ المرأة أحكام الحائضات (تترك من أجله الصلاة والصيام... إلخ).
ثالثًا: أقلُّ الطهر وأكثره بين الحيضتين:
الصحيح أنه لا حدَّ لأقل الطهر بين الحيضتين سواء جلست المرأة بعد طهرها من حيضتها خمسة أيام أو عشرة أو أقل أو أكثر، ثم عاوَدَها الدم مرَّة أخرى.
ولا حدَّ لأكثر الطهر بين الحيضتين، فقد تجلس المرأة شهرًا أو شهرين أو أكثر لا يأتيها الحيض، فمتى رأت المرأة الدم فهو حيض؛ لأن الأصل في كلِّ ما يخرج من الرحم أنه حيض، إذا لم يُعلَم أنه دم عرق أو جرح.
رابعًا: تقدُّم العادة أو تأخُّرها، أو الزيادة أو النقص على دم العادة -كأن تكون عادتها آخِر الشهر فترى الدم أوَّله، أو تكون عادتها أوَّل الشهر فترى الدم آخره، أو تكون عادتها ستة أيام من كلِّ شهر فيستمر الدم معها ثمانية أيام، أو تكون عادتها سبعة أيام فتطهر لستة أيام، فالصواب أن ما يطرأ على الحيض لا عبرة فيه، فمتى رأت المرأة الدم فهي حائض، ومتى طهرت منه فهي طاهرة.
فحكم هذه المسألة: أن ما تراه المرأة من دمٍ له صفة الحيض فحيض، وما عداه طهر.
خامسًا: انقطاع الدم في زمن الحيض:
إذا كانت عادة المرأة سبعة أيام مثلاً وأتاها الدم في اليوم الأوَّل والثاني والثالث وانقطع عنها في اليوم الرابع، ثم عاد الدم مرَّة أخرى في اليوم الخامس والسادس والسابع - فهذا الانقطاع لا عبرة به، فحكمه حكم الحيض.
سادسًا: الصُّفرة والكُدرة:
الصُّفرة: ماء كالصديد يعلوه صفرة، الكُدرة: ماء ممزوج بحمرة، ولهما ثلاث حالات:
1- أن تكون الكُدرة والصُّفرة قبل نزول دم الحيض لمدَّة يوم أو يومين مثلاً، فلا عبرة بهما، وتنتظر حتى ينزل عليها الدم، وعلى هذا تصلِّي المرأة وتصوم، ولو كان هناك قرينة لقرب نزول دم الحيض كأوجاع العادة.
2- أن تكون الكُدرة والصُّفرة في زمن العادة: -كأن تكون عادة المرأة ستة أيام مثلاً، يأتيها الدم في اليوم الأوَّل والثاني ثم في اليوم الثالث ترى كُدرة أو صُفرة، ثم يُعاوِدها الدم في اليوم الربع والخامس والسادس، فهذه تأخذ أحكام الحيض، فلا تصلي ولا تصوم... إلخ-.
3- أن تكون الكُدرة أو الصُّفرة في أخر زمن الحيض، وله حالتان:
1- إن كانت بعد الطُّهر فلا عبرة بالكُدرة والصُّفرة، فإذا كانت المرأة مثلاً عادتها الشهرية سبعة أيام ثم طهرت من حيضتها، ثم رأت صفرة أو كدرة بعد طهرها - فلا عبرة بهما، والمرأة في هذه الحالة تأخذ أحكام الطاهرات.
2- وإن كانت قبل الطهر مُتَّصلة بدم الحيض، فحكمها حكم الحيض، إلا أن تتجاوَز الصُّفرة والكُدرة العادة الغالبة للنساء ستة أيام أو سبعة، فإنها تغتَسِل وتصلِّي وتأخذ أحكام الطاهرات، فإذا رأتْ مثلاً الدم ثلاثة أيام أو أربعة أيام فقط، ثم انقَطَع الدم عنها واستمرَّت معها الكُدرة أو الصُّفرة، فالصُّفرة والكُدرة هنا لها أحكام الحيض حتى تطهر، أو تبلغ عادة غالب النساء، وهي سبعة أيام.
مسائل في الحيض لا بُدَّ من العلم بها:
- الوطء حالَ الحيض محرَّم ولا يجوز، وإن وطِئَها وجبَتْ عليه كفارة دينار أو نصف دينار، والمرأة كذلك إذا كانت مُطاوِعة لزوجها تلزمها الكفارة، والاستمتاع في ما تحت الركبة وفوق السرَّة جائز ولا بأس به.
- تطليق الزوجة حال الحيض حرام.
- يحرم على الحائض أن تصلي أو تصوم، ويجب عليها قضاء الصوم ولا تقضي الصلاة.
- إذا أدركت المرأة من أوَّل وقت الصلاة مقدار ركعة كاملة بسجدتيها ثم حاضَتْ قبل أن تصليها، فإنها إذا طهرت يجب عليها قضاء هذه الصلاة، وكذلك لو طهرت قبل خروج الوقت بمقدار ركعة، فإنها تغتسل وتقضي هذه الصلاة ولو بعد خروج الوقت.
- إذا طَهُرت المرأة قبل خروج وقت العصر بمقدار ركعة، فإنها لا تجمع معها الظهر، وكذلك إذا طهرت قبل خروج وقت العشاء فإنها لا تجمع معها المغرب.
- قراءة القرآن للحائض جائزة، ولا تمسُّ المصحف إلا من وراء حائل.
- المرأة إذا مرَّت بالمِيقَات وهي حائض تغتسل للإحرام، وتعقد نية الدخول في النُّسُك، ولا تطوف في البيت حتى تطهر وتغتسل من حيضها، وإن خَشِيَتْ فوات الرفقة قبل أن تطهر أو مرَّت بالميقات وهي شاكية -يعني: تخشى أن تحيض أو تنفس- فإنها تشترط تقول: ((فإن حبسني حابس فمحلِّي حيث حبستني))، ففي هذه الحالة لا يلزمها شيء في خروجها من عمرتها.
- يحرم على الحائض اللُّبث في المسجد حتى لو أمنت تلويثه، وكذلك يحرم عليها المرور فيه إن خشيت تلويثه ولو كان لحاجة.
المبحث السابع: الاستحاضة تعريفها وأحكامها:
أولاً: الاستحاضة شرعًا:
هو دمٌ يخرج من المرأة لا يصلح أن يكون دم حيض ولا نفاس.
ثانيًا: الفرق بين دم الحيض ودم الاستحاضة:
1- دم الحيض دم طبيعة وجبلَّة يخرج في أوقات معلومة، أمَّا دم الاستحاضة فهو دم فساد وعلَّة ليس له أوقات معلومة.
2- دم الحيض يخرج من أقصى الرحم، أمَّا دم الاستحاضة فيخرج من أدنى الرحم من عرق يقال له: العاذل.
3- دم الحيض أسود غليظ له رائحة كريهة، أمَّا دم الاستحاضة فهو أحمر يميل إلى الصفرة لا رائحة له.
4- دم الحيض لا يتجمَّد إذا ظهر؛ لأنه تجمَّد في الرحم ثم انفجر، وأمَّا دم الاستحاضة فيتجمَّد إذا ظهر.
ثالثًا: أحوال المستحاضة:
المُستحاضَة لها أحوال:
الحالة الأولى: لها حيض معلوم؛ مثال ذلك: امرأة لها حيض مُعتَاد من أوَّل الشهر إلى اليوم السادس، ثم أطبق عليها الدم بعد ذلك واستمرَّ معها.
حكم هذه الحالة: ترجع المرأة إلى عادتها (أي: تجلس ستة أيام من أوَّل الشهر) ثم تغتسل ويصبح حكمها حكم الطاهرات.
الحالة الثانية: أن تكون المرأة لها حيض معلوم ولها تمييز صالح؛ يعني: لها عادة تأتيها أول الشهر؛ مثال ذلك: امرأة يأتيها الحيض أوَّل الشهر دائمًا، ثم أطبق عليها الدم، وفي وسط الشهر ترى ما يشبه دم الحيض بلونه وكثرته.
حكم هذه الحالة: ترجع إلى عادتها، حتى لو كانت ترى ما يُشبِه دم الحيض في غير عادتها، فإذا كانت تحيض مثلاً في أوَّل الشهر خمسةَ أيام فإنها تجلس هذه الفترة، ثم تغتسل بعد ذلك وتأخذ أحكام الطاهرات.
الحالة الثالثة: أن يكون لها عادة نسِيَتْها ولها تمييز -يعني: أنها تعرف لون دم الحيض ورائحته- ثم أطبق عليها الدم، ولكنها نسيت متى عادتها هل هي أول الشهر أو في وسطه أو آخره، ولكنها مثلاً ما بين 20 - 25 من الشهر ترى دمًا متميِّزًا يُشبِه دم الحيض أسودَ ثخينًا كثيرًا.
حكم هذه الحالة: هذه ترجع إلى التمييز وتجعله عادة لها، ثم بعد هذا التمييز تغتسل وتأخذ حكم الطاهرات.
الحالة الرابعة: إذا لم يكن لها تمييز -دمها على صفة واحدة- وقد نسِيَت زمن عادتها فلا تدري هي أوَّل الشهر أو وسطه أو آخره.
حكم هذه الحالة: هذه تجلس ستة أيام أو سبعة كعادة مَن تُشبِهها في السن والخلقة من قريباتها، من أوَّل يومٍ رأت الدم، ثم بعد ذلك تغتسل.
الحالة الخامسة: ألاَّ يكون لها عادة -أي: جاء معها الدم أوَّل مرَّة واستمرَّ معها- فلم يكن لها عادة سابقة، وتسمَّى المبتدِئة (البنت التي يأتيها الدم أوَّل مرة).
حكم هذه الحالة: إذا كان لها تمييز صالح (يأتيها دم يشبه دم الحيض بلونه ورائحته) أخذَتْ به وجعلَتْه عادةً لها، وإن لم يكن لها تمييز أخذت بعادة قريباتها -أي: مَن تُشبِهها في السن والخلقة- فإذا كانت مثلاً قريبتها عادتها ستة أيام أخذت بذلك، وجلست ستة أيام من حين رأت الدم.
أحكام المستحاضة:
1- على المستحاضة أن تتحفَّظ، وتضع ما يمنع خروج الدم إلى ملابسها.
2- إذا توضَّأت المستحاضة، فإنه لا يجب عليها أن تتوضَّأ مرَّة أخرى عند دخول الوقت، بل لا يجب عليها أن تتوضَّأ حتى يحصل لها حدث آخر غير دم الاستحاضة؛ كالبول مثلاً أو ريح ونحوه من نواقض الوضوء.
3- إذا أرادَتْ أن تتوضَّأ فإنها تغسل عنها أثر الدم لنجاسته، وإن كان الغسل يضرُّ فإنها تنشفه بقطنة ونحوها، وحينئذ فلا تجمع بين الصلاتين لانتفاء المشقَّة؛ إذ لا يجب عليها أن تتوضَّأ لكلِّ وقت، بل لا تتوضَّأ - كما سبق - حتى يخرج خارج غير دم الاستحاضة، ولا يجب عليها غسل الفرج مع الضرر؛ إذ يكفي تنشيفه بقطنة ونحوها.
المبحث الثامن: أحكام النِّفاس:
أولاً: تعريف النِّفاس:
النِّفاس شرعًا: هو دم يُرخِيه الرَّحِم للولادة وبعدها، وقبلها مع الطلق.
ثانيًا: مدَّة النفاس:
أكثر مُدَّة النِّفاس أربعون يومًا، فإذا تَمَّت للنفاس أربعون يومًا واستمرَّ معها الدم فإنها تأخذ أحكام المستحاضة؛ تغتسل وتتلجَّم -تجعل على فرجها ما يمنع نزول الدم على ملابسها- وتصلِّى وتصوم وغير ذلك من أحكام الطاهرات.
ثالثًا: أحكام النفاس:
1- الدم الذي تراه الحامل قبل الولادة بيوم أو يومين إذا كان معه طلق فإنها في حكم النفاس؛ تدع الصلاة والصيام والاعتكاف، ويحرم عليها ما يحرم على النُّفَساء، ويُبَاح لها ما يُبَاح للنُّفَساء.
2- المرأة لا تكون نُفَساء إلاَّ إذا وضعت ما تبيَّن فيه خلق إنسان -بأن يظهر فيه تخطيط يد، أو رجل، أو رأس ونحو ذلك -وقبل ذلك تأخذ أحكام المستحاضة تصلي وتصوم... إلخ.
3- المرأة النُّفَساء إذا انقَطَع عنها الدم بحيث لا ترى دمًا ولا كُدرة ولا صُفرة قبل تمام الأربعين، فإنها في حكم الطاهرات؛ يجب عليها أن تغتسل وتصلي وتصوم، ولزوجها أن يُجامِعها، وإن كان معها كُدرة أو صُفرة فإنها نُفَساء حتى تتمَّ أربعين يومًا.
4- إذا طهرت المرأة النُّفَساء قبل تمام الأربعين، ثم عاوَدَها الدم أو الكُدرة أو الصُّفرة قبل تمام الأربعين، فإنها في حكم النفاس.
5- إذا بقي الدم مع المرأة بعد الأربعين فإنه في حكم دم الاستحاضة، تغتَسِل بعد الأربعين وتصلِّي وتصوم وتأخذ حكم الطاهرات.
6- إذا وضعت الحامل ولم يخرج منها دم وجبَتْ عليها الصلاة وكذلك الصيام، ولزوجها أن يُجامِعها؛ إذ هي في حكم الطاهرات لعدم الدم.
مسألة: الولادة الجراحية (العمليات القيصرية):
إذا ولدت المرأة بعملية جراحية ولم ترَ دمًا خارِجًا من الفرج فلا تكون نُفَساء، وإنما هي ذات جرح، تأخذ حكم الطاهرات.
وإذا ولدت بهذه الطريقة ونزل الدم من فرجها، فإنها تَصِير نُفَساء؛ لأنه وجد خروج الدم من الرحم عَقِب الولادة.
المبحث التاسع: أحكام السقط:
هذه جملةٌ من أحكام السقط التي تهمُّ المرأة المسلمة، وهي تشتمل على مسائل:
المسألة الأولى: تعريف السقط في اللغة والاصطلاح:
السقط في اللغة: هو الولد الخارج من بطن أمِّه لغير تمام، ويُقال: أسقطته أمه فهي مسقط.
وفي الاصطلاح: هو الذي يسقط من بطن أمِّه ميتًا.
والجنين يمرُّ في بطن أمِّه بثلاث مراحل بيَّنَها الله - جل وعلا - في كتابه بقوله: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى... ) [الحج: 5] الآية.
وبيَّن النبي - صلى الله عليه وسلم - هذه المراحل في الحديث الذي رواه عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- بقوله: ((إن أحدكم يُجمَع خلقه في بطن أمِّه أربعين يومًا نطفه، ثم يكون علقةً مثل ذلك، ثم يكون مُضغَة مثل ذلك، ثم يُرسِل الله إليه الملك، فينفخ فيه الروح، ويُؤمَر بأربع كلمات: بكَتْبِ رزقه وعمله وأجله، وشقي أو سعيد... )) الحديث؛ رواه البخاري ومسلم.
فلا تُنفَخ فيه الروح إلا بعد انتهاء مائة وعشرين يومًا، والمدَّة التي يتبيَّن فيها خلق الإنسان في الحمل ثلاثة أشهر غالبًا، وأقلُّها واحد وثمانون يومًا.
المسألة الثانية: حكم إسقاط الحمل:
الحمل في جميع مراحله (النطفة والعلقة والمضغة) لا يجوز إسقاطه، كما بيَّنتُ ذلك فيما سبق في أحكام الإجهاض في ورقة مستقلَّة.
المسألة الثالثة: الأحكام المترتِّبة على سقوط الحمل:
وهي كما يلي:
أولاً: إذا سقط الحمل في مرحلة النطفة (في الأربعين الأولى)
أو في مرحلة العلقة (الأربعين الثانية)
ففي هذه الحال على المرأة أن تتلجَّم (يعنى: تضع على فرجها ما يمنع خروج الدم إلى الملابس ممَّا هو مُستَعمل عند النساء اليوم)؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أسماء بنت عميس -رضي الله عنها- لَمَّا ولدت في ذي الحليفة أن تتلجم؛ رواه مسلم، ويجب عليها أن تستمرَّ في صلاتها وصيامها، ويجوز لزوجها أن يُجامِعها ويُعاشِرها وطئًا واستمتاعًا.
والدم الخارج بسبب الإسقاط في هذه المرحلة الأقرب من أقوال أهل العلم أنه لا ينقض الوضوء، ولا يجب عليها أن تتوضَّأ لكلِّ صلاة، إلا إذا خرج منها خارج معتاد كالبول أو الغائط أو ريح ونحو ذلك.
ثانيًا: أن يسقط الحمل بعد أن تَمَّ له ثمانون يومًا، فعلى المرأة أن تنظر في هذه المضغة إن تمكَّنت، أو تسأل الطبيب أو الطبيبة الثقة: هل خُلِقت هذه المضغة أو لا؟
(يعني: هل بدا فيها تخليق الإنسان ولو خفيًّا، كتخطيط يد أو رجل أو رأس ونحو ذلك؟)، فإن كانت هذه المضغة لم يتبيَّن فيها خلق الإنسان (يعني: قطعة لحم) وليس فيها تخطيط ولو خفيًّا، كيد أو رجل أو رأس أو نحو ذلك، فإن المرأة تأخذ أحكام القسم الأول (تتحفَّظ وتصلي وتصوم وتحلُّ لزوجها، ولا يجب عليه الوضوء لكلِّ صلاة إلا إذا خرج منها بول أو غائط أو ريح ونحو ذلك).
وإذا كانت المضغة قد بدا فيها تخليق الإنسان ولو كان خفيًّا (كتخطيط يد أو رجل أو رأس ونحو ذلك) فإن المرأة تأخذ أحكام النِّفاس (لا تصلي ولا تصوم ولا يجوز لزوجها أن يُجامِعها، حتى ينقطع عنها الدم والصُّفرة والكُدرة، أو حتى تبلغ أربعين يومًا إذا لم ينقطع عنها الدم أو الصُّفرة أو الكُدرة، فإذا بلغت أربعين يومًا فإنها تغتسل وتصلي وتصوم وتحلُّ لزوجها).
ثالثًا: إذا سقط الحمل بعد ثمانين يومًا ولا تعلم المرأة هل خُلِق هذا الحمل الذي سقط أو لا؟
وجهلت أمره، فهذا السقط له حالتان:
1- إذا كان الحمل الذي سقط قد تَمَّ له تسعون يومًا، فإن المرأة تأخذ أحكام النِّفاس (لا تصلي ولا تصوم ولا تحلُّ لزوجها حتى ينقطع عنها الدم والصُّفرة والكُدرة، أو تبلغ أربعين يومًا إذا لم ينقطع عنها الدم أو الكُدرة أو الصُّفرة، ثم تغتسل وتصلي وتصوم وتحلُّ لزوجها).
2- إذا لم يتمَّ له تسعون يومًا، وجهلت المرأة أمره هل خُلِق أو لا، فإن المرأة تتحفَّظ (بأن تضع على فرجها ما يمنع من خروج الدم على ملابسها، وتصلي وتصوم وتحلُّ لزوجها، والدم الخارج منها لا ينقض الوضوء، ولا يجب عليها أن تتوضَّأ لكلِّ صلاة، إلا إذا خرج منها خارج مُعتاد كالبول أو الغائط أو الريح ونحو ذلك كما تقدَّم).
مسألة مهمَّة: إذا سقط الحمل بعد وفاته في الرحم بمدَّة، مثاله: إذا سقط الحمل بعد ثلاثة أشهر، وتبيَّن أنه قد تُوفِّي قبل سقوطه بشهر، فإن الحمل في هذه الحالة يكون عمره شهرين فقط وتأخذ المرأة أحكام القسم الأول (تتحفَّظ وتصلي وتصوم وتحلُّ لزوجها... الخ) فالعبرة بمدَّة حياة الجنين في الرحم، وليس زمن إسقاطه.
رابعًا: أن يسقط الحمل بعد تمام أربعة أشهر (بعد نفخ الروح فيه).
فالمرأة تأخذ أحكام النفاس (لا تصلي ولا تصوم ولا تحلُّ لزوجها حتى ينقطع عنها الدم والصُّفرة والكُدْرَة، أو تبلغ أربعين يومًا إذا لم ينقطع عنها الدم، أو الصفرة، أو الكُدرة، ثم تغتَسِل وتصلِّي وتصوم وتحلُّ لزوجها).
والجنين الذي سقط في هذه المرحلة (بعد نفخ الرُّوح) وتَمَّ له أربعة أشهر، يُغسَّل ويُكفَّن ويُصلَّى عليه، ويُقبَر في مقابر المسلمين، وتُذبَح عنه العقيقة في اليوم السابع من سقوطه، وإذا اعتُدِي عليه وأُسقِط فإنها تجب فيه الكفارة المغلَّظة، وتجب فيه الدِّيَة وهي غرَّة - جاء في الحديث أنها قيمةُ عبدٍ أو أمَة - والغُرَّة هي خيار الشيء، وقدَّرها العُلَماء بعُشْرِ دِيَة أمِّه، وتُقَدَّر بخمسة من الإبل، وإذا اعتُدِي عليه وأُسقِط لوقت يعيش لمثله بأن يكون سقوطه لستة أشهر فأكثر وسقط حيًّا حياةً مستقرَّة، فدِيَتُه دِيَة المولود حيًّا (يعني: مائة من الإبل).
المبحث العاشر: أحكام الغسل:
الغسل: هو استعمال الماء في جميع البدن على صفة مخصوصة يأتي بيانها، والدليل على وجوبه قول الله - تعالى -: (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا... ) [المائدة: 6].
ومُوجِبات الغسل ستة أشياء:
الأول: خروج المَنِيِّ من مَخرَجِه من الذكر أو الأنثى، ولا يخلو خروج المَنِيِّ إمَّا أن يخرج في حال اليقظة، أو حال النوم.
فإن خرَجَ في حال اليَقَظَة اشتُرِط وجود اللذَّة بخروجه، فإن خرج بدون لذَّة لم يُوجِب الغسل، كالذي يخرج بسبب مرض، أو عدم إمساك ونحو ذلك.
وإن خرج في حال النوم، وهو ما يُسمَّى بالاحتلام، وجب الغسل مطلقًا؛ لفقد إدراكه، فقد لا يشعر باللذة.
والنائم إذا استيقَظَ من نومه فوجد بللاً، فلا يخلو من أمور:
الأمر الأول: أن يعلم أنه مَنِيٌّ، فيجب عليه الغسل مطلقًا.
الأمر الثاني: أن يعلم أنه غير مَنِيٍّ، فلا يجب عليه الغسل، ولكن يطهِّر ما أصابه.
الأمر الثالث: أن يشكَّ في الأمر، فلا يجب عليه الغسل، ولكن يُطَهِّر ما أصابه.
الثاني: إيلاج الحشفة في الفرج، والمُرَاد: رأس الذكر ولو لم يحصل إنزال للواطئ والموطوءة؛ لحديث عائشة -رضي الله عنها- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا قعد بين شُعَبِها الأربع ثم مسَّ الختانُ الختانَ، فقد وَجَبَ الغسل)) رواه مسلم
وفي لفظ: ((وإن لم يُنزِل)).
الثالث: إسلام الكافر، فإذا أسلم الكافر وَجَبَ عليه الغسل؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر قيس بن عاصم لَمَّا أسلم بالغُسل؛ رواه أبو داود، والنسائي، والترمذي وحسَّنه، وكذا أمَر ثُمامَة بن أَثَال بالغسل لَمَّا أسلم؛ رواه أحمد وعبد الرزَّاق.
الرابع والخامس: الحيض والنِّفاس؛ لقول الله - تعالى -: (فَإِذَا تَطَهَّرْنَ... ) [البقرة: 222]
يعني: الحُيَّض يتطهَّرن بالاغتسال بعد انتهاء الحيض.
ولما روَتْه عائشة -رضي الله عنها- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((فإذا أقبلت الحيضة فدَعِي الصلاة، فإذا أدبرَتْ فاغتسلي وصلِّي)) رواه البخاري وغيره.
السادس: الموت؛ لحديث أم عطية -رضي الله عنها- وفيه قوله - صلى الله عليه وسلم - للاَّتي غَسَّلن ابنته: ((اغسلنها ثلاثًا أو خمسًا أو أكثر من ذلك... )) متفق عليه.
صفة الغسل الكامل وهو المشتَمِل على الواجب والمستحب:
أولاً: تنوي المرأة الغسل الكامل بقلبها؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما الأعمال بالنيات)) متفق عليه.
ثانيًا: التسمية وهي سنة.
ثالثًا: غسل اليدين ثلاث مرات؛ كما في حديث عائشة -رضي الله عنها- في صفة غسل النبي - صلى الله عليه وسلم -: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا اغتسل من الجنابة غسل يديه... "؛ متفق عليه.
رابعًا: غَسْلُ الفرج؛ لحديث ميمونة -رضي الله عنها-: ((... ثم غسل فرجه... )) متفق عليه، وما علق به من أذًى باليد الشمال؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((... ولا يتمسَّح من الخلاء بيمينه... )) متفق عليه.
خامسًا: تضرب بيدها الأرض أو الحائط مرَّتين أو ثلاثًا؛ لحديث ميمونة -رضي الله عنها-: "... ثم ضرب يده بالأرض أو الحائط مرَّتين أو ثلاثًا... "؛ متفق عليه؛ لإزالة ما علق بهما من أذًى، أو غسلهما بالماء والصابون.
سادسًا: تتوضَّأ وضوءًا كاملاً كما تتوضَّأ للصلاة؛ كما في حديث عائشة -رضي الله عنها-: "... ثم يتوضَّأ كما يتوضَّأ للصلاة... "؛ متفق عليه، مع غسل الرجلين، وأحيانًا تؤخِّر غسل الرجلين في آخر الغسل.
سابعًا: غسل الرأس، والسنة في ذلك:
أولاً: تُخَلِّل المرأة بأصابع يديها شعرَها حتى تروي بشرة رأسها؛ لحديث عائشة -رضي الله عنها-: "... ثم يخلِّل بيده شعره حتى يظنَّ أنه قد أروى بشرته... "؛ متفق عليه.
ثانيًا: دلكه؛ كما جاء في حديث عائشة -رضي الله عنها-: "ثم تصبُّ على رأسها فتدلكه دلكًا شديدًا"؛ رواه مسلم.
ثالثًا: تبدأ بشقِّها الأيمن ثم الأيسر؛ كما في حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إذا اغْتسَلَ من الجَنابةِ دعا بشيءٍ نحوَ الحِلابِ فأخذَ بكفِّه فبَدأ بشِقِّ رأْسهِ الأيمَنِ، ثمَّ الأيسَر، فقال بهما على رأسهِ"؛ متفق عليه.
رابعًا: تصبُّ على رأسها الماء ثلاث مرَّات؛ كما في حديث عائشة السابق وفيه: "... أفاضَ عليه - يعني: رأسه - الماء ثلاث مرَّات... ".
ثامنًا: ثم تُفِيض الماء على سائر جسدها.
تاسعًا: ثم تنتقل من مكانها وتغسل قدمَيْها؛ لحديث ميمونة بنت الحارث -رضي الله عنها- زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - في صفة غسل النبي - صلى الله عليه وسلم - وفيه: "... ثم تنحَّى فغسل رجليه"؛ متفق عليه، هذا إذا لم يتقدَّم غسلهما مع الوضوء.
صفة الغسل المُجْزِئ: هو أن تنوي الغسل، وتعمِّم جميع بدنها بالماء، مع المضمضة والاستنشاق.
مسألة: الفرق بين غسل الجنابة وغسل الحيض والنفاس:
الفرق الأول: غسل الجنابة من السنَّة أن تتوضَّأ المرأة قبل أن تغتسل على الصفة السابق ذكرها، أمَّا الحائض والنفساء فلم يرد ما يدلُّ على ذلك.
الفرق الثاني: المرأة يُستَحبُّ لها نَقْضُ رأسها لغُسْلِ الحيض، ولا يستحبُّ عند غسل الجنابة؛ لحديث أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: يا رسول الله، إني امرأة أشدُّ ضفر رأسي فأنقضه لغسل الجنابة؟
قال - صلى الله عليه وسلم -: ((لا؛ إنما يَكفِيك أن تحثي عليه ثلاث حثَيَات، ثم تُفِيضين عليه الماء فتطهرين)) رواه مسلم
وفي روايةٍ لمسلم: أفأنقضه للحيضة والجنابة؟ قال: ((لا... )) الحديث.
وفي حديث عائشة -رضي الله عنها- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لها عندما حاضَتْ في الحج: ((دعي عمرتك، وانقضي رأسك، وامتَشِطي)) رواه البخاري.
ولكن إذا لم تنقُضْه فيجب عليها أن تُوصِل الماء إلى أصول شعرها وبشرة رأسها؛ كما جاء في الحديث: ((ثم تصبُّ على رأسها فتدلكه حتى تبلغ شؤون رأسها)) رواه مسلم.
الفرق الثالث: أن غسل الحيض يستحبُّ أن يكون بماء وسدر، ويتأكَّد استعمال السدر فيه بخلاف غسل الجنابة؛ لحديث عائشة -رضي الله عنها-: أنَّ أَسماء سأَلت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن غسل المحيض فقال: ((تأخذ إحداكنَّ ماءها وسدرتها فتَطَهَّرُ فتُحسِن الطَّهُور)) رواه مسلم.
الفرق الرابع: أن غسل الحيض يستحبُّ أن يُستَعمل فيهِ شيء من الطِّيب، في خرقة أو قطنة أو نحوهما، يتبع به مجاري الدم؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث عائشة -رضي الله عنها- السابق: ((ثم تأخذ فِرْصَةً مُمَسَّكة فتطهر بها)) فقالت أسماء: وكيف تطهر بها؟
فقال: ((سبحان الله، تطهرين بها)) فقالت عائشة كأنها تُخفِي ذلك: تتبعين أثر الدم، قال ابن رجب - رحمه الله -: والصحيح الذي عليه جمهور الأئمَّة العلماء بالحديث والفقه: أن غسل المحيض يستحبُّ فيه استعمال المسك بخلاف غسل الجنابة والنِّفاس كالحيض في ذلك، "فتح الباري"؛ لابن رجب (ج2/ ص115).
قال النووي - رحمه الله -: "إن السنة في حقِّ المغتسلة من الحيض أن تأخذ شيئًا من مسك فتجعله في قطنه أو خرقه أو نحوها، وتدخلها في فرجها بعد اغتسالها ويستحبُّ هذا للنُّفَساء أيضًا؛ لأنها في معنى الحائض؛ لقوله: ((تأخذ إحداكن ماءَها وسِدرَتَها فتطهر فتُحسِن الطُّهور، ثم تصب على رأسها فتدلكه، ثم تصب عليها الماء، ثم تأخذ فِرصة مُمَسَّكة فتطهر بِها))، وهذا نصٌّ في استعمال الفِرْصَة بعد الغُسل، وقال - رحمه الله -: فالصحيح المختار الذي قاله الجماهير من أصحابنا وغيرهم أن المقصود باستعمال المسك تطييب المحلِّ ودفع الرائحة الكريهة. ("شرح النووي على مسلم" 4/ 13).
مسائل مهمَّة في الغسل:
- لا يجوز ترك جزء ولو صغيرًا دون أن يصيبه الماء؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: ((ويل للأعقاب من النار)) متفق عليه
والعَقِبُ هو مؤخِّرة القدم، وقال للرجل الذي توضَّأ فترك موضع ظفر على قدمه: ((ارجع فأحسن وضوءك)) رواه مسلم.
- إذا مسَّت المرأة فرجها باليد أثناء الغسل سواء القبل أو الدبر من غير حائل، فإنه ينتقض وضوءها؛ لحديث بُسْرَة بنت صفوان -رضي الله عنها- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((مَن مسَّ ذكره فليتوضَّأ)) وفي رواية: ((مَن مسَّ فرجه فليتوضَّأ)) رواه أحمد والنسائي وصحَّحه الألباني، وهو مرويٌّ من حديث أم حبيبة وأبي أيوب عند ابن ماجه.
- وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه وليس بينهما ستر ولا حجاب، فليتوضأ)) رواه ابن حبَّان وقال الألباني: إسناده جيد.
- وعن عمرو بن شعيب، عن أَبيه، عن جدِّه قال: قال لي رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن مَسَّ ذكره فليتوضَّأ، وأيُّما امرأة مسَّتْ فرجها فلتتوضَّأ)) أخرجه أحمد والدارقطني وصحَّحه الألباني، فعليها أن تعيد الوضوء فقط دون الغسل.
- الأَوْلَى عدم تنشيف الأعضاء بعد الغسل أو الوضوء إذا لم يكن هناك حاجة من برد ونحوه؛ لحديث ميمونة -رضي الله عنها- في صفة غسله - صلى الله عليه وسلم - وفيه "فأتيته بخرقة فلم يُرِدْها، فجعل ينفض الماء بيديه"، وقد جاء في حديث أَبي هريرة أَنَّ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا توضَّأ العبد المسلم -أو المؤمن- فغسل وجهه، خرج من وجهه كلُّ خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء -أو مع آخر قَطْرِ الماء- فإذا غسل يديه خرج من يديه كلُّ خطيئة كان بطشَتْها يداه مع الماء -أو مع آخر قَطْرِ الماء- فإذا غسل رجليه خرجت كلُّ خطيئة مشَتْها رجلاه مع الماء -أو مع آخر قطر الماء- حتى يخرج نقيًّا من الذنوب)) رواه مسلم، والله أعلم.
وفَّق الله الجميع للعلم النافع والعمل الصالح، وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمد، وعلى آله وصحابته أجمعين.
الشيخ خالد بن علي المشيقح