عنوان الموضوع : قصة زيارتي الأولى لمغسلة الأموات مع أحب الناس قصص سعودية
مقدم من طرف منتديات بنت السعودية النسائي

قصة ط²ظٹط§ط±طھظٹ ط§ظ„ط£ظˆظ„ظ‰ ظ„ظ…ط؛ط³ظ„ط© الموتى مع أحب ط§ظ„ظ†ط§ط³ إلي



كان عمري أربعين يوما، عندما انتهت اجازة الولادة الخاصة بأمي،
وكما بقية إخوتي، كان حضنها ملجئي الآخر، كانت لي أما عندما كنت وليدة،
وأختا كبيرة محبة وناصحة عندما كنت طفلة، ثم أصبحت صديقتي الحميمة في عمر المراهقة،
وعندما نضجت روحي، بت أراها مزيجا لذيذا من الأمومة والصداقة والنقاء.
كنا أنا وأخوتي شغلها الشاغل، تحمل همومنا قبل أن تحملها قلوبنا،
اتسع قلبها الرحب للكثير والكثير، ولكن حصة الأسد كانت من نصيبنا،
لاتكاد تخلو صورة في الذاكرة من بسماتها التي خبأت خلفها بحرص اكوام الألم والحزن والحرمان.

ليتني كنت هناك عندما كنتي طفلة، أشارككي جريك في كروم العنب،
ليتني كنت هناك لأخفف عنكي عندما كنت مراهقة تشعر بالنقص،
عندما تنظر حولها، ليتني كنت واعية كفاية لأفهمكي،
عندما كنت تتمتمين بكلمات هامسة، وكأنها آتية من قعر بئر حزن جاف.

حبيبتي، عجزت عن حملك الجبال، ونادرا ماكنت أرى دمعاتك الطاهرة،
لايوجد سيال عصبي ولا خلية في جسدي، إلا وتفتقدك، غادرتنا في أوج الحاجة اليكي.

يعزوننا قائلين "خاتمة الأحزان" ، أغبياء هم، و أي فرح سيكتمل ووجهك غيبه التراب! نعم " خاتمة"،
ولكن خاتمة إحدى أجمل صفحات ظƒطھط§ط¨ الأيام، ستتغير الحياة إلى الأبد.

اشتاقكي، فأروح بكل حمق أبحث عن مكان يشبع هذا الإشتياق، أبدأ بالدوران كالجندي حول بيتنا،
ثم أجد نفسي فجأة ابكيكي على سريرك.
البكاء يخدر مشاعرنا لبرهة فحسب، كلما فاض بنا الوجع،
تسيل تلك القطرات المالحة على جفوننا، وتغسل بعض الحزن الذي ارتسم في وجداننا،
ثم ما نلبث أن نمسح دمعاتنا،
حتى تعاود ذكراكي تطرق المكان، لا نسيان، لا نسيان!

طلبتي مني الاّ أجزع، وألاّ أبكي، وكيف لي ذلك، وكيف للقلب ألا يتمزق وجعا!

كيف للعقل أن يستوعب مصابه الجلل! وكيف لجبيني ألاّ يتصبب قهراً على ترابك،
كيف لروحي أن تنسى توأمها،،،،كيف،،،،كيف!!

أكاد أرى روحك العذبة تجول بيننا، و تتدبر أمورنا،
كيف أنسى تلك اللحظات، ذلك المشهد، عندما دخلت غرفة المعالجة الحثيثة،
فرأيتك مكبلة بالأسلاك الطبية البلهاء، و عيناك معصوبتان، معصوبتان،،،!

لم تكن فكرة المشهد الأخير سهلة أبدا أبدا،
اختلط علي الأمر، وأخذ قلبي ينازع عقلي، يوبخ بعضهما البعض،
وأنا أدور وسط دوامة لا تهدئ، بدأت أغرق في بحر حرمان، لا شواطئ له، لا نهاية له إلا فقدك!

حتى دمعت عيناكي النقية، أخذت أمسح دمعاتك، و أسألك ما يبكيكي؟
سامحيني، فنظري الآدمي عجز عن رؤية صفوف الملائكة التي أتت لاصطحاب نفسك المطمئنة الى عليين،
وأنفي عجز عن شم رائحة الأكفان والحنوط التي جاؤوا بها لزفك الى السماء، كل ما لمحته هو دمعاتك ورشح جبينك واصفرار لونك.

جاء الأطباء يحاولون إعادتك الى الحياة البئيسة مجددا، وكيف لهم ذلك، وروحك كانت قد عرجت في السماء للقاء رب راض غير غضبان،
كنت تخافين هذه اللحظة طوال مرضك، وأينا لا يخافها، كنت تأتنسين بنا حولك، وكأننا سنمنع الموت من خطفك،
هاقد كنا حولكي، وآنستك الملائكة.
لا أعلم كيف مرت تلك الليلة عليك في ثلاجة الموتى، لم يكن لي سوى الدعاء الى الله:
" اللهم آنس وحشتها،،،اللهم آنس وحشتها".

أما أن تعرج روحك بين يدي، أن أرى جسدك بدونها ممدا، أن أراهم يجرونك مكفنة بغطائك،
الى ثلاجة الموتى، هذا ما لم أتخيله يوما، ولم أستطع احتماله، ولم أستطع حتى السكوت،
إنما الصبر عند الصدمة الاولى، وأنا أضعت أجر صدمتي بكي، كان الأمر أكثر بكثير، مما يمكنني استيعابه!

غادرنا وتركناكي وحيدة هناك، وصلت الى بيت والديكي المكلومين،
وأنا أكاد لا أرى طريقي من شدة البكاء، لم تكن قد مرت ربع ساعة على عروجك الى السماء،
ولكن منظر الرجال الذين احتشدوا أمام المنزل كان مهيبا،،،رهيبا،،،

دخلت، كانت النساء أيضا قد ملأت المكان، اتجهت بغير وعي الى غرفتكي وكأني سأراكي هناك،
فلم يكن هنالك سوى شقيقاتك المكلومات، وأقراني، ملأ صوت البكاء والنحيب أرجاء غرفتك،

كالحلم،،،بل كالكابوس مر كل شئ سريعا جدا،،،


ليس الغريب غريب الشام واليمن .... إن الغريب غريب اللحد والكفن
دع عنك عذلي يا من كان يعذلني... لو كنت تعلم ما بي كنت تعذرني
دعني أسحُّ دموعا لا انقطاع لها... فهل عسى عبرةٌ منها تُخلصني
كأنني بين جلِّ الأهل منطرحٌ .... على الفراش وأيديهم تُقلبني
وقد تجمَّع حولي مَن ينوح ومن.... يبكي عليَّ وينعاني ويندبني
وقد أتوا بطبيب كي يُعالجني.... ولم أرَ الطب هذا اليوم ينفعني
واشتد نزعي وصار الموت يجذبها.... من كل عِرقٍ بلا رفق ولا هونِ
واستخرج الروح مني في تغرغرها.... وصار ريقي مريرا حين غرغرني
وقام من كان حِبَّ ط§ظ„ظ†ط§ط³ في عجَلٍ....... نحو المغسل يأتيني يُغسلني.
وقال يا قوم نبعي غاسلا حذِقا... حرا أديبا عارفا فطِنِ
فجاءني رجلٌ منهم فجرَّدني .... من الثياب وأعراني وأفردني
وأودعوني على الألواح منطرحا.... وصار فوقي خرير الماء ينظفني .
وأسكب الماء من فوقي وغسَّلني.. غَسلا ثلاثا ونادى القوم بالكفنِ
وألبسوني ثيابا لا كِمام لها.... وصار زادي حنوطي حين حنَّطني
وأخرجوني من الدنيا فوا أسفا... على رحيلي بلا زاد يُبلغني
وحمَّلوني على الأكتاف أربعةٌ ... من الرجال وخلفي منْ يشيعني
وقدَّموني إلى المحراب وانصرفوا ... خلف الإمام فصلى ثم ودعني.
صلوا عليَّ صلاةً لا ركوع لها... ولا سجود لعل الله يرحمني
وكشَّف الثوب عن وجهي لينظرني.... وأسبل الدمع من عينيه أغرقني
فقام مُحترما بالعزم مُشتملا... وصفف اللبْن من فوقي وفارقني
وقال هُلواعليه الترب واغتنموا .... حسن الثواب من الرحمن ذي المنن.
في ظلمة القبر لا أمٌ هناك ولا .... أبٌ شفيق ولا أخٌ يُؤنسني
وهالني صورةٌ في العين إذ نظرت...... من هول مطلع ما قد كان أدهشني
من منكر ونكير ما أقول لهم...... قد هالني أمرهم جدا فأفزعني.
وأقعدوني وجدوا في سؤالهمُ ... ما لي سواك إلهي منْ يُخلصني
فامنن عليَّ بعفوٍ منك يا أملي.... فإنني موثقٌ بالذنب مرتَهَنِ.


فجر ذلك اليوم البئيس، أخذنا نحضر لغسلك كالعروس، صعدتُ الى السيارة،
كان الكفن وبقية الأشياء ملفوفة بكيس أسود، حضنته، وبقيت مطبقة عليه و صامتة،
ولا أدري لماذا، دخلت أمي و خالتي لغسلكي كما أوصيتي، جلستُ عند باب المغسلة، واطبقت أذني على بابها، كي أطمئن عليكي،
سمعت أمي تردد بنبرة حزينة:" ماشاءالله...ماشاءالله"

عندها فقط هدأت دقات قلبي قليلا، ورحت أردد " اللهم اربط على قلبي" بعد برهة،
فتحت أمي الباب و سمحت لي بأن أظفر شعرك، كنت جميلة، كنت كطفلة غفت في سريرها،
عيناك مسبولتان، و وجهك وضّاء ومبتسم، لونك مشرق، مستبشر، رائحتك عطرة زكية،

"وجوه يومئذ مسفرة، ضاحكة مستبشرة".


كيف لا تبشرين، وقد كانت "الحمدلله" يكررها لسانك في قمة الألم والعذاب،
كيف لا، وأنت لم تترك الاستغفار والاذكار حتى غيبك الموت عنا، كيف لا، وأنت لم تترك فينا جميعا، إلا كل أثر جميل،

صنعنا لك ثلاثة ظفائر، ثم البستك حجابا أبيض، ولففت على جبينك عصبة خضراء، زادتكي جمالا، لم أكن أتخيل الكفن جميلا هكذا!

أدخلنا البقية حتى يروك للمرة الأخيرة،
نعم الأخيرة

قبل أن نغطي وجهك الوضاح ببقية الكفن،
كلما غطت خالتي وجهك، حاولتْ أن تكشفه مجددا،
لم يكن الأمر هينا على قلوبنا، فكرة المرة الأخيرة، كانت مؤلمة جدا،
كيف لنا أن لا نراك مجددا،
كيف ستمر الصباحات علي من دون سماع صوتك،

كيف لا أبكي قلبا نادرا محبا، لم يرد سوى الاطمئنان علي، لم يرد سوى أن أكون بخير،
قلبا كقلب أمي، يدعو لي ليلا نهارا، دون أن أطلب، قلبا كان يفاجئني برسالة تزيل الهم إن ضاقت بي الدنيا،
دون أن أشكو له حتى، كيف كنت تحسين بوجعي دون علمي، حتى الألم الفظيع،
حتى نزاع الموت، لم يردعكي عن الشعور بي تلقائيا، ماذا كنت لي!
يا صاحبة القلب الوردي،
لايوجد لك مثيل، ولن يوجد أبداً، أنت معجزة أحاسيس ربانية !

أخرجوك
من المغسلة الى المسجد،
توقف الزمان والمكان، تجمدت الدماء في عروقي،
ها انت ممدة في السيارة، و روحك ترفرف فوقك،
و تنظر اليك، أدخلوك الى المسجد،
كي يصلوا عليك صلاة لا ركوع لها، امتلأ المسجد بالمصلين فجأة،
وسخر الله لكي إماما يدعو لكي كثيرا قبل الصلاة وبعد الصلاة،
ونحن نراقب المسجد ونسمع صوت الإمام،
يوجد جنازة في المسجد، هذه جنازة الحبيبة،
هذه جنازة من ملأت أرجاء حياتنا حبا ورعاية من قلب مخلص،
هذه جنازة من ربتني، وسهرت ليلها لهمي، جنازة روح نادرة، لم يخلق لها مثيل.

انتهت الصلاة، و أخذوك الى مؤاك القادم، الى حياتك الأخرى،
الى روضة من رياض الجنة بإذن الله، مرت جنازتك مسرعة جدا، كيف لا وانت ترددين: " قدموني،،،قدموني"

أنزلوكي الى قبرك، بقلوب جريحة نازفة، بشق الأنفس، وضعوا اللبنات،
أهالوا عليك التراب، لابؤس عليك بعد اليوم، لابؤس بعد اليوم، حال بيننا وبينك التراب.


مالي؟ وقفت على القبور مسلماً قبر الحبيب فلم يرد جواب
أحبيب مالك لا ترد جـــــــــــــــــوابنا ؟؟ أنسيت بعدي خُلة الأحبابِ؟
قال الحبيب:وكيف لي بجوابكم ؟ وأنا رهيــــن جــــــــــــــــــنادل وتراب
أكل التراب محاسني فنـــــــــسيتكم وحجبت عن أهلي وعن أترابي
فعليكم من السلام تقطـــــــــــــــــــعت مني ومنـــــــــــــــــــكم خُلة الأحباب

انقطع وجودك من الدنيا، ولم تعودي بيننا، فكفى بقلوبنا الملتاعة وجعا، كفى بنا قهرا و ألما،
لا البكاء ولا النحيب، سيعيدك الينا، أبحث عنكي يائسة في كل مكان.

ليتني كنت أعرف أنني عندما غادرتك ليلا، و نظرتي إلي ،
أنها ليلتك الأخيرة في الدنيا، ليتني قضيت الليل أحضنك، ياعظم حزني ومصابي الآن،
وأنت لم تعودي سوى طيف يعبر خيالاتنا ونسأل الله أن يعبر أحلامنا
كل يوم يزداد اشتياقي لك، ولابد للمشتاق من أن يرد لهفته برؤية محبوبه،
ولكن ليس بنا وحتى إن جاوز الشوق عنان السماء،
إلا أن ندعو لك بالرحمة والغفران،

وأن يجمعنا الرحمن بالجنان.

نزلتي بالرحمن، وهو خير المنزلين،

أسأل الله أن يجزيك عنا الجنة، أسأله ان يبدلك عن كل قطرة حزن نزفتها في دنياك ، بفرح و سرور،
أسأله أن ينزل على قبرك و قبور المسلمين الضياء والنور والفسحة والسرور
اللهم جازهم بالإحسان إحسانا، وبالسيئات عفوا وغفرانا،
أنا " ولد صالح أدعو لكي" لن تغيبي عن مخيلتي،
لن يتوقف لساني عن الاستغفار لكي يا حبيبتي، يا صديقتي وأمي و كل شئ جميل
سبحان اللذي قهر العباد بالموت، سبحان الذي قهر العباد الموت،
اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار و أدخلنا الجنة مع الأبرار.



بقلمي



<center> >>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
================================== </center>

<h3>>>>> الرد الأول :
<center>عظم الله اجرك اختي العزيزة ،، واسكن المرحومه ،، الفردوس الاعلى من الجنة ،،، كلمات فاضت بالمشاعر ،، عشتها لحظه بلحظه ،، سرد جميل ،، ورائع ،، اللهم أحسن خواتيم أعمالنا </center>

__________________________________________________ __________

<h3>>>>> الرد الثاني :
<center>
عظم الله اجرك عزيزتي وجعل مثواها الجنة

أقف إجلالا وإحتراما وتوقيرا لكلماتك الراقية

حروفك عندما تصافـح شرفـات البـوح ...

تتـسـاقـط إبــداعـا وشــهــدا..

دمت بصحة وسعاده



</center>

__________________________________________________ __________

<h3>>>>> الرد الثالث :
<center>شكر الله سعيكم

شكرا لكم
</center>

__________________________________________________ __________

<h3>>>>> الرد الرابع :


__________________________________________________ __________

<h3>>>>> الرد الخامس :