عنوان الموضوع : تربية العشر - ورياح الجنة
مقدم من طرف منتديات بنت السعودية النسائي
تربية ط§ظ„ط¹ط´ط± - ظˆط±ظٹط§ط* الجنة
العبادات في الإسلام لها حِكَم وغاياتٌ ومقاصدُ، ومن أهم مقاصد العبادات تربيةُ المسلم على الفضائل والأخلاق الحميدة، وإحداث حالةٍ من المراقبة والتقوى في النفوس، ولا نذهب بعيدًا إذا قلنا: إن من أهم أهداف إرسال الرسل هو مجالُ التربية والتزكية؛ لذا دعا إبراهيم - عليه السلام - ربه وهو يرفع القواعدَ من البيت أن يبعث الله في أهل البيت رسولاً منهم يتلو عليهم آيات الله ويعلِّمهم الكتاب والحكمة ويزكِّيهم، قال - تعالى -: ﴿ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ﴾ [البقرة: 129]
فاستجاب الله - تعالى - لدعائه، وأرسل محمدًا - صلى الله عليه وسلم - رسولاً من نسل ولده إسماعيل - عليه السلام -: ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [آل عمران: 164]
وأنزل عليه القرآن ليتلوَه على الناس، وجعل رسولَه على خُلُق عظيم، ومنهج قويم، ليقتديَ به المؤمنون في أعمالهم، يعلِّمهم أحكام دينهم، ويزكِّي نفوسهم ويطهِّرها من رذائل الأخلاق وانحرافات الجاهلية، ويُخرِجهم من ظلمات الجهل وفساد الأخلاق إلى نور الإيمان والعلم وسمو الأخلاق، وهو ما صاروا إليه في الإسلام؛ (أيسر التفاسير أسعد حومد 1/158، بتصرف).
وقد كانت سيرته - صلى الله عليه وسلم - العمليةُ وسيرته في أهل بيته ومع أصحابه - واقعًا عمليًّا لهذا المنهج التربوي، وسار الصحابة على نفس منهج التزكية والاهتمام بجانب التربية، عن أبي عمران الجوني قال: سمعت جندبًا البَجَلي قال: "كنا فتيانًا حَزَاوِرَة (الحزاورة جمع الحَزَوَّر، وهو الغلام إذا اشتد وقوي) مع نبيِّنا - صلى الله عليه وسلم - فتعلَّمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن، ثم تعلمنا القرآن فازددنا به إيمانًا، وإنكم اليوم تعلمون القرآن قبل الإيمان"؛ (سنن ابن ماجه، وقال عنه الألباني: صحيح).
فلما اهتمَّ الصحابة بنور القرآن دون الوقوف على ألفاظه فقط، دخل نور الإيمان في قلوبهم، فأصبح نورًا على نور.
والتربية والتزكية ركيزتانِ وعاملان أساسيان في تنشئة الأجيال المسلمة، وهما لا يغيبان عن المسلم أبدًا خلال مسيرته في الحياة، وينتهز كل فرصة يتهيَّأ من خلالها للوصول إلى ما يزكِّي النفس ويصلحها، ومن رحمةِ الله على عبادِه تهيئة الأجواء والنفوس، وذلك من خلال مواسم الخير، التي تتوالى على العباد، فهناك منحةٌ يوميَّة يرتبط فيها الإنسان بربه من خلال خمس صلوات في اليوم والليلة، ومنحةٌ أسبوعية عن طريق خطبة الجمعة؛ حيث يتناول وجبةً إيمانية يشحنُ بها قلبه وترقَى نفسُه، ثم منحةٌ سنوية بقدوم شهر رمضان بنفحاته على الكون كله، ومنحة عُمريَّة على الأقل لمن استطاع السبيل ومَلَك المقوِّمات، في موسم اللقاء العالمي موسم الحج، ويتخلَّل هذه المنحَ منحٌ ومنحٌ، ومن أعظم هذه المنح منحةُ ط§ظ„ط¹ط´ط± الأوائل من ذي الحجة، فأيام ط§ظ„ط¹ط´ط± هي أفضل وأعظم أيام الدني
عن جابر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أفضل أيام الدنيا العشر))؛ يعني عشر ذي الحجة، وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((أعظم الأيام عند الله يوم النحر، ثم يوم القَرِّ))؛ (رواه أبو داود والنسائي، وصححه الألباني)
ويوم القَرِّ هو ثاني يوم النحر؛ لأنهم يَقِرُّون فيه ويَسْتَجِمُّون مما تَعِبوا في الأيام الثلاثة، وهي أفضل وأعظم أيام الدنيا؛ لاجتماع أمهات العبادة فيها، قال الحافظ ابن حجر في الفتح: "والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة؛ لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يتأتى ذلك في غيره".
وأمهات العبادة هذه هي التي يتربى العبد من خلالها، فإن تقوية جانب التربية والتزكية يكون بالعلم والعمل الصالح الدائم ولو كان قليلاً، وأيام ط§ظ„ط¹ط´ط± الأوائل فرصةٌ حقيقية ليصبحَ فيها العبدُ وقفًا لله، ولا يعني ذلك ترك الدنيا والتفرُّغ فقط للعبادة، ولكن المقصود أن يجمع العبد فيها بين حسنة الدنيا والآخرة: ﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً ﴾ [البقرة: 201].
ولكن للآسف فإن أكثرَ الناس مشغولون بحسنةِ الدنيا المضمونة، وهم في غفلةٍ عن حسنة الآخرة، مع أن الآخرةَ خيرٌ وأبقى، ولكي يترسَّخ هذا المعنى، وهو أن الآخرة هي الخير وهي الباقية، تتكرر مواسم الخير من وقت إلى آخر؛ كي يعيدَ الإنسان حساباته، ويشغل أوقاته بما فيه النفع لنفسه وأمته، وكما ألمحنا أن كل ذلك لا يأتي إلا بتزكية وتربية.
وأيام ط§ظ„ط¹ط´ط± إذا استُغِلَّت استغلالاً صحيحًا، سيتحصل من خلالها الإنسان على المطلوب، وحسن استقبال هذه الأيام ط§ظ„ط¹ط´ط± هي البداية الحقيقية والانطلاقة الصحيحة في تغيير النفوس والقلوب، وفتح طريق جديد مع الله، وتكون البداية كالآتي:
• وضع خطة حقيقية واقعية بدايتُها بسم الله، فالعبد ضعيفٌ بنفسه قويٌّ بالله، وليكن شعارك: فاستعن بالله ولا تَعجِز.
• الاجتهاد في العمل الصالح، فإن العمل الصالح في هذه الأيام يعادل الجهاد في سبيل الله وأفضل، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((ما العمل في أيام ط§ظ„ط¹ط´ط± أفضل من العمل في هذه))، قالوا: ولا الجهاد؟ قال: ((ولا الجهاد، إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله، فلم يرجع بشيء))؛ (متفق عليه).
ومن هذه الأعمال الصالحة:
• صيام أيام التسع من ذي الحجة، وخصوصًا يوم عرفة؛ عن حفصة - رضي الله عنها - قالت: "أربع لم يكن يدعهن النبي - صلى الله عليه وسلم -: صيام عاشوراء، والعشر، وثلاثة أيام من كل شهر، والركعتين قبل الغداة"، وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفِّر السنة التي قبله، والسنة التي بعده))؛ (أخرجه مسلم).
• الإكثار من التهليل والتسبيح والذكر؛ عن سعيد بن جبير عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله: ((ما من أيام أفضل عند الله ولا العمل فيهن أحب إلى الله - عز وجل - من هذه الأيام (يعني من العشر)، فأكثِروا فيهن من التهليل والتكبير وذكر الله..))؛ (مسند الإمام أحمد).
• اصدُق مع ربِّك في إقبالك عليه وتوبتِك؛ فإنك إن صدقتَ مع الله، فإنه يَصدُقُك، عن شداد بن الهاد - رضي الله عنه -: أن رجلاً من الأعراب جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فآمن به واتَّبعه، ثم قال: أهاجر معك، فأوصى به النبي - صلى الله عليه وسلم - بعضَ أصحابه، فلما كانت غزاةٌ غنم النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - شيئًا، فقسم وقسم له، فأعطى أصحابه ما قسم له، وكان يرعى ظهرَهم، فلما جاء دفعوه إليه، فقال: ما هذا؟ قالوا: قسمٌ قسَمَه لك النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخذه، فجاء به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ما هذا؟ قال: ((قسمتُه لك))، قال: ما على هذا اتَّبعتُك، ولكن اتبعتك على أن أُرمَى إلى ها هنا - وأشار إلى حلقه - بسهمٍ فأموت، فأدخل الجنة، فقال: ((إن تصدُقِ الله يصدُقْك))، فلبثوا قليلاً، ثم نهضوا في قتال العدو، فأُتِي به النبي - صلى الله عليه وسلم - يُحمَل قد أصابه سهم حيث أشار، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أهو هو؟))، قالوا: نعم، قال: ((صدق اللهَ فصدقه))، ثم كفَّنه النبي - صلى الله عليه وسلم - في جبَّتِه، ثم قدَّمه فصلى عليه، فكان مما ظهر من صلاته: ((اللهم هذا عبدك خرج مهاجرًا في سبيلك، فقُتل شهيدًا، أنا شهيد على ذلك))؛ (أخرجه النسائي وغيره، وقال الألباني: إسناده صحيح).
فاصدقِ اللهَ في هذه الأيام، لعلها تكون البداية التي تغيِّر حياتك، وعلامةُ الصدق أن تسعى سعيًا حقيقيًّا لإرضاء الله ورسوله، ولا تتركْ نفسك لنفسك وشيطانك وهواك وأقران السوء، وللعادات والتقاليد والأعراف الفاسدة، وتسير مع تيار المنحرفين، ثم تطلب من ربك الهدايةَ والتوفيق، فلا هداية بدون جهد وعمل: ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 110]
وقال - تعالى -: ﴿ وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ ﴾ [التوبة: 46]
فجاهِدْ في اللهِ حقَّ جهاده في هذه الأيام، وحقُّ الجهادِ هو استقامة الإنسان نيةً وقولاً وعملاً، واعلم أن هذه الأيام فرصةٌ من الممكن أن تأتي وأنت في قبرك، فبادِرْ بالعمل واقطَعِ الأماني الباطلة، التي شعارُها: سوف أعمل، سوف أكون، سوف وسوف، فهذه أماني العَجَزة التي يتحسَّرون بسببها يوم القيامة: ﴿ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ ﴾ [السجدة: 12].
أيام ط§ظ„ط¹ط´ط± هي أيام تشمُّ منها رائحةَ الجنة؛ وذلك بسبب كثرة الطاعات من عباد الله، فلا تحرِمْ نفسك أن تستنشقَ عبير الجنة، فأهلُ الطاعة في جنَّة هي بداية لجنةِ الخلد عند رب العالمين، يقول ابن القيم: "سمعتُ شيخ الإسلام ابن تيمية - قدس الله روحه - يقول: "إن في الدنيا جنةً مَن لم يدخلها لا يدخل جنة الآخرة"، وقال لي مرة: ما يصنع أعدائي بي؟
أنا جنتي وبستاني في صدري، إن رحت فهي معي لا تفارقني، إنَّ حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة"، وكان يقول في محبسه في القلعة: "لو بذلت ملء هذه القلعة ذهبًا، ما عدل عندي شكر هذه النعمة"، أو قال: "ما جزيتهم على ما تسببوا لي فيه من الخير" ونحو هذا... وقال لي مرة: "المحبوس مَن حُبِس قلبُه عن ربه تعالى، والمأسور مَن أسَرَه هواه"، ولما دخل إلى القلعة وصار داخل سورِها نظر إليه، وقال: ﴿ فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ ﴾ [الحديد: 13]
وعلِم اللهُ ما رأيتُ أحدًا أطيب عيشًا منه قط، مع ما كان فيه من ضيق العيش وخلاف الرفاهية والنعيم بل ضدها، ومع ما كان فيه من الحبس والتهديد والإرهاق، وهو مع ذلك من أطيب الناس عيشًا، وأشرحهم صدرًا، وأقواهم قلبًا، وأسرِّهم نفسًا، تلوح نضرةُ النعيم على وجهه، وكنا إذا اشتد بنا الخوف، وساءت منا الظنون، وضاقت بنا الأرض، أتيناه فما هو إلا أن نراه ونسمع كلامه، فيذهب ذلك كله وينقلب انشراحًا وقوةً ويقينًا وطمأنينةً، فسبحان مَن أشهد عباده جنته قبل لقائه، وفتح لهم أبوابها في دار العمل، فآتاهم من روحها ونسيمها وطيبها ما استفرغ قواهم لطلبها والمسابقة إليها... وكان بعض العارفين يقول: لو علِم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف، وقال آخر: مساكين أهل الدنيا خرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها، قيل: وما أطيب ما فيها؟
قال: محبة الله - تعالى - ومعرفته وذِكره، أو نحو هذا، وقال آخر: إنه لتمرُّ بالقلب أوقات يرقصُ فيها طربًا، وقال آخر: إنه لتمر بي أوقات أقول: إن كان أهل ط§ظ„ط¬ظ†ط© في مثل هذا، إنهم لفي عيش طيب"؛ (الوابل الصيب 1/67).
فيا أخي الكريم، عِشْ في رياح ط§ظ„ط¬ظ†ط© في ظل العمل الصالح في هذه الأيام العشر، التي هي أفضل أيام الدنيا.
د - خالد راتب
>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================
>>>> الرد الأول :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
نسأل الله من فضله ..
انتقاء عذب قيم .. جزاك الله خيرا وجعلك مباركة اينما كنتِ ياغاليه ..
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الثاني :
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الثالث :
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الرابع :
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الخامس :