عنوان الموضوع : يوم النحر بين التضحية والأضحية -الحج
مقدم من طرف منتديات بنت السعودية النسائي
يومُ النَّحْرِ هو أعظم أيام الدنيا، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((أعظم الأيام عند الله يوم النحر، ثم يوم القَرِّ))؛ (رواه أبوداود والنسائي، وصححه الألباني)
وهو يوم الحج الأكبر؛ لأنه اليوم الذي يذكِّر الأمة بالتضحيةِ والأُضْحِيَّةِ، تلك الأضحية التي هي رمزٌ وعلامةٌ باقية على أن الأمة الإسلامية هي أمة التضحية، فالأضحية جاءت بعد التضحية، وليس العكس، وهذا اليوم يذكِّر الأمة بتضحية أبي الأنبياء من أجلِ دينه وإرضاء ربه، لقد تعرَّض إبراهيم بعد محنته بإلقائه في النار، وكل من المحنتَينِ في غاية اختبار الإيمان بالله - تعالى - فلما كبِر إسماعيل - عليه السلام - قال له أبوه إبراهيم - عليه السلام -: يا بُني، إني رأيت في المنام أني أذبحك، فما رأيك؟
أخبره بذلك ليستعدَّ لتنفيذ أمر الله، ويثاب على انقياده وطاعته لربه، وليعلم صبْرَه لأمر الله، فأجابه إسماعيل قائلاً: امضِ لما أمرك الله من ذبحي، وافعَلْ ما أوحي إليك، سأصبر على القضاء الإلهي، وأحتسب ذلك عند الله - عز وجل - والمراد بقوله: ﴿ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ ﴾ [الصافات: 102]
السعي على القدم، يريد سعيًا متمكنًا، أو العمل والعبادة والمعونة، وبدأ تنفيذ أمر الله - تعالى - فلما استسلم الأب وابنه لأمر الله وطاعته، وأسلما أنفسَهما؛ أي فوَّضا إلى الله في قضائه وقدرِه، وألقى إبراهيم على الأرض ابنَه على جنبه وجانب جبهته، وهو الجبين، ومعنى ﴿ وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ﴾ [الصافات: 103]
وضعه بقوَّة، ونادى الملك إبراهيم من الخلف بعدئذٍ: قد حصل المقصود من رؤياك، وتحقق المطلوب، وصرت صادقًا مصدَّقًا بمجرد العزم، وإن لم تذبَح، ثم عدَّد الله - تعالى - نعمًا خمسًا على إبراهيم، وهي:
1- الإحسان إليه:
والمعنى: مثلما جازينا إبراهيم بالعفو عن الذبح ﴿ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ﴾ [الصافات: 107]
وكذلك نجزي كلَّ محسن على طاعته، وتفريج كربته ومحنته، وإن هذه المحنة أو الاختبار بالشدة لهو الاختبار الصعب الواضح الذي لا يوجد أصعب منه، حيث اختبر الله إبراهيم في مدى طاعته بذبح ولده، فصبر محتسبًا الأجرَ عند ربه.
2- وافتداء الذبح:
فلقد جعلنا لإبراهيم فداءَ ولدِه بتقديم كبشٍ عظيم الجثة سمين.
3- الثناء الحَسَن عليه:
وأبقينا لإبراهيم في الأمم المتلاحقة ثناءً حسنًا، وذكرًا جميلاً، فأحبَّه أتباعُ الملل كلها، من اليهود والنصارى والمسلمين، وأهل الشرك قاطبة، كما جاء في آية أخرى: ﴿ وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ * وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ ﴾ [الشعراء: 84، 85]، ومثل هذا الجزاء نجزي جميع المحسنين بالفرج بعد الشدة.
4- البشارة بإسحاق:
ووهبنا لإبراهيم ولدًا آخر بعد إسماعيل، هو إسحاق، وجعلناه نبيًّا صالحًا من زمرة الصالحين.
5- مباركة إبراهيم وإسحاق:
وجعَلْنا البركةَ والنعمة الدنيوية والأخروية في إبراهيم وإسحاق، ومنها كثرةُ الولدِ والذرِّيَّة، وجعل أكثر الأنبياء من نسلِهما ونسل إسماعيل، فقوله - تعالى -: ﴿ وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ ﴾ [الصافات: 113]
أي: أَفَضْنا على إبراهيم وإسحاق بركاتِ الدين والدنيا، بأن كثَّرنا نسلهما وجعلنا أنبياء ورسلاً منهما ومن إسماعيل؛ (التفسير الوسيط للزحيلي 3/2183).
ولقد بلغ إبراهيم مبلغَ التمام والكمال في ط§ظ„طھط¶ط*ظٹط© والبذل: ﴿ وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ﴾ [البقرة: 124]
يقول - سبحانه وتعالى - للنبي - صلى الله عليه وسلم -: اذكر ما كان من ابتلاء الله لإبراهيم بكلمات من الأوامر والتكاليف، فأتمَّهن وفاءً وقضاءً، وقد شهد الله لإبراهيم في موضع آخرَ بالوفاء بالتزاماته على النحو الذي يَرضى اللهُ عنه فيستحق شهادته الجليلة: ﴿ وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى ﴾ [النجم: 37]
وهو مقام عظيم ذلك المقام الذي بلغه إبراهيم، مقام الوفاء والتوفية بشهادة الله - عز وجل؛ (الظلال: 1/85).
ولو نظرنا في أحكام الأضحية، لوجدنا هذا المعنى البارز للتضحية، من حيث حثُّ الشرع على اختيار أفضل الأضاحي؛ ليثبت الإنسان عمليًّا أنه يقدِّم أغلى ما عنده، وهذا لونٌ من التضحية، وهو تضحية بالمال والجود به في سبيل الله؛ لذا يُشرع عند الذبح التسميةُ والتكبير، عن أنس قال: ضحَّى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بكبشينِ أملحينِ أقرنينِ، ذبحهما بيده وسمى وكبَّر، قال: رأيته واضعًا قدمَه على صفاحهما، ويقول: ((بسم الله والله أكبر)).
كما لا يجوز للمضحِّي أن ينتفع حتى بجلد الأضحية؛ لتكون كلها لله، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن باع جلد أضحيته، فلا أضحية له))؛ (رواه الحاكم وقال: صحيح الإسناد).
وتوارثت الأمة الإسلامية أمرَ التضحية، فبذلت كلَّ ما تملك تنفيذًا لأمر الله، وكان على رأس هؤلاء سيِّدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبلغ الدرجة العظمى في البذل والعطاء، فبذل نفسه وماله وراحته، حتى كاد يقتل نفسه؛ خوفًا وشفقةً على الأمة كلها.
والمجتمعات إذا أرادت تقدمًا ورُقيًّا ونصرة لهذا الدين، فلا بد لها من تقديمِ التضحيات، فالنصر لا يأتي مجانًا، ولا بد للميلادِ من مخاض، ولا بد للمخاض من آلام، ولا بد أن تتناسب التضحيات مع حجم الأهداف؛ حتى لا تتجاوز التضحيات المبذولةُ حجمَ الأهداف المحققة، فكلما سما الهدف، سَمَت التضحيات، والهدف الأسمى للأمة الإسلامية هو عبادة الله، وتعبيد الناس لله، وتعمير هذا الكون بالمنهج الذي ارتضاه الله لعباده، فمهما قدَّم الإنسان من أجلِ هذا الهدف كان رخيصًا، فالصحابة قدَّموا أرواحهم قبل أموالهم فداءً لهذا الدين؛ فمنهم مَن قضى نحبَه، ومنهم الذي كان ينتظر دورَه في ط§ظ„طھط¶ط*ظٹط© والبذل، وحافَظوا على هذا العهد ولم يبدِّلوا تبديلاً.
وهؤلاء الصحابة هم الذي حملوا للدنيا مشاعل الهداية، وساحوا بدعوة الله في أنحاء الأرض، فلا بد أن يُرَبَّوا هذه التربية القاسية، وأن يُمتَحنوا كل هذا الامتحان، وهم يعلمون جيدًا ثمن هذه التضحية، وينتظرون ثوابها من الله، فأهل الحق يدفعون الثمن أولاً، أما أهل المبادئ الباطلة، فيقبِضون الثمن أولاً قبل أن يتحرَّكوا في اتجاه مبادئهم؛ (تفسير الشعراوي 1/6360).
والأمة الآن في أمس الحاجة إلى ط§ظ„طھط¶ط*ظٹط© والصبر والاحتمال، وإلى الاستعلاء على فتنة الأموال والأولاد، وإلى التطلع إلى ما عند الله من الأجر العظيم، المدَّخر لعباده الأمناء على أماناته، الصابرين المؤثرين المضحين؛ وذلك لأن تكوين الأمة وإقامة الدولة ليس بالأمر الهيِّن السهل، وإنما يحتاج لبذلِ أقصى الجهدِ في التضحية، والبناء والعمل، ومجاهدة الأعداء وردِّ غارات المعتدين، والصبر في سبيل ذلك صبرًا شديدًا؛ (الظلال 3/389).
فهيا بنا نجعل يوم ط§ظ„ظ†ط*ط± بدايةً حقيقية للتضحية والبذل والعطاء؛ امتثالاً واقتداءً بأبي الأنبياء إبراهيم - عليه السلام - الذي ضحى بأعز ما يملك من أجل دينه.
د - خالد راتب
>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================
>>>> الرد الأول :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
رائع جدا .. شكر الله لك هذا الانتقاء القيم ونفع به .. ورزقك ومن تحبين اعالي الجنان ياغاليه ..
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الثاني :
واياكِ وكل المسلمين
بارك الله فيك وجزاك كل خير
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الثالث :
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الرابع :
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الخامس :